الاثنين، 20 أكتوبر 2014

رواية "المباءة " الجزء الثالث

المؤلفات: رواية "المباءة " الجزء الثالث
لكاتبها محمد عز الدين التازي
-7 البنية الجمالية والسردية:
أ- التركيب الهيكلي:
وإذا انتقلنا إلى البنية الجمالية والسردية للرواية سنجدها ذات تركيب دائري حلزوني كما
سبق الذكر. ومن ثم، فبداية الرواية هي نهايتها، حيث تبتدئ الرواية بالحديث عن الكتابة
والحروف وتطويع الإزميل لنقش شواهد القبور، وتنتهي كذلك بمناجاة الحروف ودعوتها
إلى تغيير الواقع والنزول إليه لمحاورته بلغة اليومي والخطاب المكشوف.
ب- الوصف:
وينصب الوصف في هذه الرواية على الشخصيات الجوهرية مثل: قاسم وسي الهاشمي
وميمونة ونعيمة ورقية ومنير... ويرصد السارد كيفيات هذه الماهيات الإنسانية من زوايا
نفسية وفيزيولوجية وأخلاقية وأدوارها الاجتماعية ووظائفها السردية. كما يرتكز المحمول
الوصفي على المكان) السجن، الضريح، الزاوية(.
ويلاحظ على هذا الوصف نوع من الاستقصاء والتفصيل والتدقيق في الأشياء والملامح عن
طريق التشخيص والأنسنة وشعرنة المحكي وتحويله إلى خطاب رمزي بالدوال العرفانية
والأوراد الصوفية.
ج- الرؤية السردية:
وإذا انتقلنا إلى المنظور والرؤية السردية سنلاحظ تعدد السراد والضمائر) التكلم- الخطاب-
الغيبة(، وتعدد الأصوات على غرار الرواية الجديدة المتعددة السراد والرواة، وهذا إن دل
على شيء فإنما يدل على مدى انفتاح الكاتب على الرواية الفرنسية الجديدة والنقد السردي
المعاصر) البنيوية السردية على سبيل المثال(، دون أن ننسى اطلاعه الكبير على تجارب
الشكلانيين الروس وبوليفونية باختين ضمن كتابيه" شعرية دويستفسكي"و" النظرية الجمالية
للرواية".
د- زمن السرد:
أما زمن السرد في الرواية فهو زمن دائري و منحرف يمتد من الاستباق نحو نقطة
الانطلاق الحاضر". أي إن بداية الرواية هو الفصل الثاني" السجن"، والفصل الثاني
هو"الضريح" أي الفصل الأول، ويبقى الفصل الأخير هو "الضريح" أي الفصل الثالث.
إذاً، فزمن الرواية يتخلله تقاطع وتداخل زمني قائم على الاسترجاع والاستشراف المستقبلي
علاوة على التضمين الزمني على الرغم من كون زمن السرد هابطا من المستقبل ليعود إلى
الحاضر، وبعد ذلك يسترجع الماضي في شكل نهاية لمسار السرد الروائي.
وهذا التكسير الزمني معروف في الرواية الجديدة والرواية العربية الطليعية. أما زمن
المحكي أو المتن القصصي فهو زمن متداخل يتقاطع فيه مغرب الاستعمار ومغرب

الاستقلال، ناهيك عن المغرب الراهن بكل تجاعيده وأتراحه.
ه- الصياغة:
يلاحظ على مستوى الصيغة أو الصياغة تعدد الأساليب السردية من سرد مباشر وغير
مباشر ومناجاة وأسلوب غير مباشر حر. وتتسم كتابة الرواية بأسلبة بصرية ذات طبيعة
شعرية أو وجدانية صوفية. وتطبع اللغة الإيحائية الرمزية وشاعرية التضمين ورؤيا
العرفان وشذرية الخطاب الصوفي وزئبقية الأوراد ، وتخنث الأسلوب إنشائيا بسبب
التكثيف الشاعري كأننا نعيش في أجواء شاعرية وفضاءات روحية سحرية و أسطورية.
هذا، ويوظف الكاتب جملا قصيرة بسيطة في محمولاتها، محددة بفواصل تستند إلى لعبة
الانزياح والتوازي والتقابل والتقديم والتأخير والتخريب السردي. وكل هذا جعل لغة الكاتب
لغة إبداعية بيانية بعيدة عن جفاف بعض الروايات المغربية وتقريريتها التشخيصية مثل
كتابات الروائيين الواقعيين أمثال: مبارك ربيع وعبد الله العروي ومحمد شكري وعبد
الكريم غلاب ولاسيما في روايتيه: دفنا الماضي، والمعلم علي.
و- التفاعل النصي:
تتناص رواية المباءة على مستوى التفاعل التناصي والحواري والاشتقاق النصي مع رواية
الطاعون 8 لألبير كامو. فهذا النص الأخير هو بمثابة نص سابق لنص المباءة الذي يعد
نصا لاحقا بينهما تفاعل تناصي على مستوى الدلالة والصياغة والترميز والإحالة.
ويمكن إدراج رواية المباءة ضمن الروايات التي تستوحي الخطاب الصوفي) الزاوية-
الضريح- الأوراد- قاسم الورداني- الحروف- نقش الشواهد- الحي- عبد الرحمن المجذوب-
المقتبسات الصوفية...(، على غرار الزاوية للمرحوم التهامي الوزاني) 2491 (، وجارات
أبي موسى لأحمد توفيق.
وإلى جانب السجل الصوفي، نجد سجلات تناصية أخرى مثل: السجل التاريخي، والسجل
الديني، والسجل الأدبي والفني، والسجل الأسطوري" عيشة قنديشة"، والسجل
الفانطاستيكي) تيمة التحول- مسخ وجوه أهل فاس بسبب الوباء- عالم القيامة(، والسجل
السياسي الواقعي، بالإضافة إلى الخطاب الشاعري والغنائي" الملحون". وهذا يؤكد مدى
تعدد الحقوق الخطابية في الرواية وكثرة السجلات التناصية التي تمتح منها الرواية.
ز- الأبعاد المرجعية:
على الرغم من أن الرواية ذات فضاء خاص)فاس(، إلا أنها تدين الفضاء العام بكل سلبياته
وقروحه المتعفنة وتفاوتاته الطبقية، وتعريه باعتباره فضاء موبوءا مدنسا بقيم كمية زائفة
ومواضعات كاذبة. إنه عالم الماديات والإحباطات السيكولوجية والفراغ الروحاني والتكالب
على المصالح الشخصية، وانحطاط القيم الأصيلة، وضلال الإنسان، وتيهه في عالم الظلمة
والشك. إنه فضاء الفقر والجهل، والأمراض، والخرافة والأسطورة، واستغلال الدين بادعاء
الولاية العرفانية.
كما تصور الرواية صراع الطلبة الرفاق ضد السلطة قصد تغيير الواقع بدل تكريسه
والمحافظة عليه. وتحيل كذلك على مصادرة السلطة لحقوق الإنسان وانتهاجها لأساليب
شتى كالضغط المادي)السجن، التعذيب، الطرد، التجويع(، والضغط المعنوي)الإلزام
والإكراه عن طريق الإعلام وبرامج التربية والتعليم والضغط على الفقهاء والعلماء لتبرير
إيديولوجية السلطة الحاكمة(. لذا تدعو الرواية إلى عالم الطهارة والتحلي الصوفي

والانجذاب اللدني والتحرر الجسدي والابتعاد عن عالم الأدران والأفضية الموبوءة والقيم
المهترئة حيث العدالة الاجتماعية منعدمة وحقوق الإنسان غائبة والإنسان مستلب.
الخاتمة:
يتبين لنا مما سبق، أن رواية المباءة رواية طليعية تنهج طريق التجريب والتجديد عبر
تفضية الرواية وخلخلة زمنها ومنطقها السردي والإكثار من السراد والأصوات البوليفونية
والضمائر فضلا عن الإكثار من السجلات التناصية. ومن ثم، يمكن القول: إن رواية المباءة
نص مفتوح على كل الأجناس والأنواع. لذا فهي رواية صوفية ورواية رمزية ورواية
فضاء ورواية المحكي الشاعري ورواية أسطورية ورواية عجائبية.
بيد أننا نلاحظ في هذه الرواية غموضا وإبهاما على مستوى الدلالة؛ بسبب الأحداث
السردية المجردة التي تضمنتها، ناهيك عن تقاطعات سردية متشنجة تربك المتلقي وتخيب
أفق انتظاره. ولا ننسى أن هذا الإبهام ناتج عن غلبة اللغة الإنشائية الاستعارية والترميز
الشاعري على منطق الأحداث. وتجعل هذه الخلخلة المخربة لاتساق النص ونسيج المتن
الروائي القارئ حائرا مشدوها يجد صعوبة كبيرة في تتبع الحبكة السردية المفككة والتلذذ
بجماليتها الإبداعية؛ ولاسيما القارئ الذي لم يتعود كثيرا على النصوص الروائية التجريبية
ولم ينفتح على نظريات النقد السردي المعاصر.
ولا تنبني الحداثة – حسب ظني- على بلاغة الإبهام والغموض والتصنع التجريبي، وتقليد
قواعد السرد المعاصر، بل تنبني على وضوح الإيحاء والرموز القابلة للفهم والاستحضار
التناصي والعفوية المطبوعة في الكتابة الإبداعية وتوظيف التقنيات السردية بشكل طبيعي
وتلقائي مع الاطلاع على التراث السردي العربي القديم والحديث منه لكتابة نص روائي
أصيل لينسجم معه المتلقي الذي أصبح لايبحث إلا على ما هو جميل وأصيل وممتع ومفيد.
لأن النص الروائي متعة وفائدة، جمال وإقناع، إبداع ورؤية.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات ، فتبقى رواية محمد عزالدين التازي رواية جادة وجديدة؛
لكونها تحلق في عوالم عديدة واقعية وأسطورية وصوفية وعجائبية. وتصدر الرواية عن
رؤية صوفية روحانية للعالم قوامها التحرر والانعتاق من الاستعباد والاستلاب الواقعي
والفضاء المادي الموبوء والارتحال إلى عالم الأوراد والتطهير العرفاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق